استيقظت الصغيرة من نومها بعد أن وخز الجوع بطنها الضامر...
أَنّتْ تشكوه لأمها المسندة رأسها إلى عمود خيمةٍ فَرْشها أجساد أعياها الانتظار وهدّها انقطاع الأمل... مدت الأم يدها تفتش في الكيس الخاوي منذ عدة أيام إلا من بقايا طعام ادخرتها عبر الأسابيع، أخرجت كِسْرة خبز يابسة، هي كل ما تبقى لها ولابنتها، ناولتها إياها... قضمتها الصغيرة، وهمست إلى أمها متوسلة:
- متى نعود لدارنا يا أمي؟
- قريباً إن شاء الله
- لم ليس الآن؟ أوحشتني الدار
- لأن المعبر مغلق
- ومن أغلقه؟
- السلطات المصرية
- لماذا؟
- لأن الإسرائيليين لا يريدون فتحه
- ألن يفتحوه أبداً؟
- سيفتحونه عندما تعود قوات السلطة الفلسطينية
- فمتى تعود؟
- ما عاد هناك سلطة فلسطينية، بل "حماسية" أو "فتحاوية"
فما لي أنا وهذا كله يا أمي؟
- أنتِ عربية
تحيرت الصغيرة ذات السنوات السبع، صارعت خوفها من أن تغضب أمها، واستجمعت جرأتها، لتعاود التساؤل:
- أليست مصر عربية يا أمي؟
- بلى
- والسلطة عربية؟
- بلى
- وفتح عربية؟
- بلى
- وحماس عربية؟
- بلى
- ويلقون بي في العراء، يغتصبني الموت جوعاً ومرضاً، لأنني عربية؟!
- ............
كفاكِ أسئلةً، ولتنامي.
استسلمت الصغيرة لعجزها عن الإدراك، ترفقت بأمها المتعبة، خبأت رأسها في حِجْرها.
هربت دمعة جزعى في غفلة من اصطبار الأم المتماسكة، لاحقتها عبر خـدٍّ شفّه الأرق... ربتت صغيرتها، التي أغمضت عينيها، وقضمت اللقمة الأخيرة من كِسْرة الخبز، قبل أن تهمس بصوتٍ واهنٍ، يتردد بين الصحو والنوم:
- أماه
- نعم يا حبيبتي
- لماذا لم تقولي لهم إني إسرائيلية؟!